الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية مافيا ترتع في عالم المرجان.. وحكومة الشاهد «ما شفتش حاجة»

نشر في  29 مارس 2017  (13:27)

المافيا تنجح في تهريب 180 طنا من الـمرجــــان الأحمـر سنــويــا!

نطالع بين الفينة والأخرى أخبارا متعلقة بتهريب «الذهب الاحمر» أي المرجان، وهو موضوع مسكوت عنه ولسنوات، رغم ما يدره هذا المجال من أموال تكاد تكون خيالية، ويبقى السؤال المحوري، هو لماذا تصر الحكومات المتعاقبة على تجاهل هذا الملف، ففي الوقت الذي تسعى فيه هذه الحكومة وسابقاتها للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة عبر الضغط على جيب المواطن التونسي، والترفيع في الأسعار، تغض بصرها عن ثروات هامة تنهب بشكل يومي .
في البداية نشير الى أن صيد وتجارة المرجان، لم يعد يقتصر على الحلّي والمجوهرات بل أيضا يستعمل لأغراض طبية، حيث تبين أن المهربين يبيعون الشعب المرجانية لشبكات دولية تتعامل مع مخابر طبية أجنبية تستخدم الذهب الأحمر في استخراج عقاقير طبية مضادة للسرطان والالتهابات الفيروسية وهو ما رفع من سقف أسعاره.

تجارة المرجان وتهريبه باتت مطمع بعض البحارة ومافيا التهريب، وخاصة بمدينة طبرقة وهي ثاني أشهر مدينة في العالم في انتاج وتصدير المرجان، وتجدر الملاحظة أن طبرقة ومنطقة عنابة من الجزائر والقالة التي تبعد حوالي 10 كلم من طبرقة هي المناطق الوحيدة في البحر الابيض المتوسط التي مازلت بحارها غنية بالمرجان، لكن «المنظومة المرجانية» بسواحل مدينة طبرقة تتعرض يوميا الى عديد المخاطر أهمها الصيد العشوائي واستعمال تقنيات غير قانونية  كالصيد بالمحراث وهي تقنية محظورة لأنها تتسبب في تصحر البحر، وتستعمل هذه التقنية لاجتثاث هذا الكائن البحري من الأعماق طمعا في ما يدره من أموال هامة حيث يصل سعر الكيلوغرام الواحد الى 6 آلاف دينار أو أكثر.

يوسف الشاهد تجاهل الموضوع

موضوع في غاية الأهمية سلط عليه وزير الوظيفة العمومية والحوكمة المقال من حكومة الوحدة الوطنية عبيد البريكي، حيث كشف عن ملفات فساد مالي وإداري مؤكدا أنه سلم رئيس الحكومة يوسف الشاهد هذه الملفات .
وفي سياق حديثه عن أشكال الفساد،  أكد الوزير المقال من الحكومة أن هناك فسادا كبيرا في تصدير المرجان موضحا أنه يتم تصدير مرجان مهرب من الجزائر عن طريق الموانئ التونسية.
وقال إنه تعرف الى اسم شخص يقوم بتهريب المرجان من الجزائر ويقوم فيما بعد بتدليس وثائق وتحويلها على أساس أنها تونسية ويقوم بتصديرها عبر الموانئ التونسية.
وشدد البريكي على أنه قد قدم اسم هذا الشخص الى رئيس الحكومة يوسف الشاهد واقترح تتبعه لكنه تغاضى عن الأمر، مبينا أن الوحدات الديوانية هي من أحبطت عملية تهريب مرجان في عرض البحر وتم فيما بعد اطلاق سراح الأشخاص الموقوفين في قضية تهريب مرجان.
وهنا نستحضر، كيف تم أواخر سنة 2015، اقالة قيادي بارز في الديوانة، نتيجة تجرئه على فتح وكشف خيوط مافيا تهريب هذه الثروة الطبيعية من مطاري تونس قرطاج  والمنستير وميناء حلق الوادي، حيث بينت التحقيقات أنذاك حجز ما قيمته حوالي الالف مليار من الذهب الأحمر الذي كان سيتم تهريبه إلى إيطاليا، لتنطلق إثرها بداية سقوط خيوط المتورطين في هذه العمليات التي تتم جلها في 3 ولايات كبرى يسيطر عليها شقيق رئيس حكومة سابق يستغل نفوذ أخيه لإدخال وتهريب هذه الكميات الكبيرة من المرجان..

الذهب الأحمر طريق الى الثروة

وبعيدا عن سياسة ومافيا تهريب المرجان من الجزائر في اتجاه تونس ليتم تهريبها مجددا الى ايطاليا وغيرها، نذكر أن صيد المرجان بات ايضا مطمع صغار البحارة وخاصة بطبرقة، حيث انطلقت القصة قبل الثورة وتحديدا حينما وفّر صندوق التضامن 26/26 مراكب صيد لمجموعة من البحارة قصد صيد السمك وتوفير موارد رزق لهم لكن وعلى عكس المتوقع لم يستخدم هؤلاء البحارة مراكبهم لصيد الأسماك بل حوّلوا وجهتها الى ما هو أهم بكثير ونقصد الذهب الأحمر حيث بات هؤلاء يستخدمون مراكبهم لاصطياد المرجان دون رخص وبطرق غير قانونية حيث اعتمدوا على ما يسمى بالمحراث وهو آلية تعتمد لاجتثاث المرجان من الأعماق دون مراعاة لطرق صيده القانونية حيث يجب الاعتماد على غواصة محترفين لاقتلاعه ويذكر أن «المحراث» يتسبب في اقتلاع كل ما هو موجود في البحر من ثروات كما يعتبر السبب الأول في هجرة الأسماك .
وذكرت مصادر أخبار الجمهورية أنه لا توجد في طبرقة مراكب متحصلة على رخص صيد المرجان مؤكدة أن المراكب المختصة والمتحصلة على تراخيص لا يتجاوز عددها الستة مراكب في كامل الجمهورية، ونشير الى أن الدولة التونسية وحفاظا على حيوان المرجان تشترط عدم تجاوز صيد المرجان يوميا لحمولة 2 كليوغرام وهو ما لا يتم تطبيقه حيث يتم وبشهادة بحارة طبرقة استخراج قرابة الـ30 كغ يوميا دون أدنى رقابة وهي كميات هامة جدا ومن شأنها أن تساهم في اندثار المرجان من بحارنا، خاصة اذا علمنا أن الدورة الزمنية لنموّ هذا الحيوان البحري تمتد بين 20 و30 سنة ليصبح الجذع قابلا للاستغلال.

مافيا التهريب

استنزاف «الذهب الأحمر» متواصل بشكل أضحى يهدد ثروة المرجان بالزوال، إذ أضحى المرجان من بين المواد التي تسيل لعاب المهرّبين المحليين باتجاه إيطاليا والولايات المتحدة والهند والباكستان وتركيا، من جهة أخرى نورد أن سواحل الجزائر بالخصوص في الجانب الجنوبي من البحر المتوسط باتت هي الأخرى عرضة لنهب المرجان بشكل خطير ومحل أطماع المهربين ويعتمد الجزائريون البوابة التونسية لتهريب الذهب الأحمر وتعتبر المدن الساحلية الإيطالية وعلى رأسها «توري ديل غريكو»، أهم مركز لتحويل المرجان المهرب من جنوب المتوسط لاسيما الجزائر عبر بوابة تونس، كما تعتبر الولايات المتحدة أهم سوق مستهلك للمرجان، وغالبا ما تستخدم شبكات التهريب إيطاليا كمنطقة تسريب لمنتجاتها التي يتم اقتلاعها من شواطئ الشرق الجزائري عبر محور القالة ـ بجاية اضافة الى شواطئ طبرقة وتستخدم مناطق نابولي كمنطقة عبور للمرجان إلى باقي البلدان الأوروبية ولكن أيضا للسوق الأمريكي الذي يعتبر أكبر الأسواق استهلاكا للمرجان. وتشير أرقام غير رسمية إلى أن شبكات التهريب التي تتعامل مع مهربين إيطاليين تنجح سنوياً في تهريب نحو 180 طناً من المرجان الأحمر، عبر الحدودية البحرية والجوية..
 ونلاحظ على خلفية حديثنا عن مافيا التهريب أن الإجراءات الردعية التي سنها المشّرع التونسي والجزائري تتمثل بالأساس في غرامات مادية وحجز للبضاعة المهربة أو سجن لفترات قصيرة ليتم اطلاق سراحهم فيما بعد ويستأنفون نشاطهم بشكل طبيعي وكأن ما اقترفوه لا يعتبر جريمة في حق هذا البلد واقتصاده.
ويذكر ان كل مخالف لمقتضيات صيد المرجان يتعرض وفقا للقانون عدد 89 لسنة 2005 المورخ فى 3 اكتوبر 2005 الى عقوبة بالسجن من 16 يوما الى سنة وخطية مالية من 100 دينار الى 500 دينار او باحدى العقوبتين.
وفي نفس السياق نفيد أن مصادرنا أكدت أنه تمّ سنة 2012 القبض على العصابة رقم واحد في تهريب المرجان والمتكونة من 8 أفراد منهم ايطاليون، أما الآخرون فيعتبرون من أثرى أثرياء طبرقة.. وفي فترة سجن هؤلاء عادت الحياة الى طبيعتها بطبرقة واستأنفت عمليات صيد الاسماك لكن ومنذ قرابة الشهرين تم اطلاق سراحهم واستنأفوا نشاطهم ... وأكدت مصادرنا أن صيد المرجان يدّر يوميا قرابة ال140 مليونا.

هل في المسألة تواطؤ أمني؟

كميات هامة من المرجان تستخرج يوميا وكميات أهم تدخل بلادنا عبر الحدود الجزائرية أمام صمت أمني رهيب ومثير للريبة، فأين الحرس البحري والبرّي من كل هذه التجاوزات؟؟ ولماذا لا يتم تفتيش المراكب بشكل يومي؟ وما صحة ما يتردّد عن كون بعض الأمنيين لهم دخل في الموضوع بل فيهم من يمتلك مراكب بحرية يستعملونها لتهريب المرجان عبر البحر أثناء رحلات بحرية؟ من جهة أخرى لماذا لا تطالب الحكومة البحارة بمستحقاتها حيث أنّ للدولة التونسية نسبة 2 بالمائة من عمليات صيد الأسماك، فلماذا تتجاهل دولتنا هذه النسبة خاصة أن المراكب لا تستعمل في صيد السمك بل في التسبب في كوارث طبيعية ؟؟ ولماذا يتم التغاضي على الكميات المحددة لصيد المرجان ويسمح للمراكب المرخص لها باقتناء المرجان من قبل المراكب الصغيرة وغير المرخص لها؟ نقاط استفهام عديدة تطرح على خلفية فهم ما يحوم في هذا العالم المسكوت عنه والذي يستنزف يوميا ثروات هائلة من قبل مافيا تونسية ـ جزائرية ـ ايطالية.
وبحديثنا عن التواطؤ الأمني نذكر أن الوحدات الامنية قامت بعد الثورة بالقبض على قيادي أمني بارز كان قادما من ولاية المنستير وادعى انه كان في مهمة سرية ليثبت إثر تفتيش سيارته الخاصة وجود كميات كبيرة من المرجان داخلها وقد تم إيقافه عن العمل وفتح تحقيق ضده ولكن بعد فترة وجيزة تمت ترقيته وإعادته لوزارة الداخلية..

لـماذا المرجان؟

يعتبر المرجان حيوانا بحريا معدل نموه من 2 إلى 6 ملم في السنة حسب العمق الموجود به المقدر بين 200 و250 مترا في البحر، يحظى بسمعة كبيرة لدى السياح الأجانب ومطلوب بكثرة لإنتاج المجوهرات النفيسة، وبات مؤخرا يستعمل لاغراض طبية وحربية كذلك ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين 1،5 مليون و7 مليون . وعليه يعد المرجان أغنى ثروة تسيل لعاب المهربين وأطماع الدول الغربية.
والجدير بالذكر أن الثروة السمكية تواجه خطر الانقراض نتيجة التخريب المستمر للشعاب المرجانية من قبل عصابات نهب وتهريب المرجان وهنا نشير الى أن عديد الخبراء اكدوا أن بعض أنواع الأسماك كالسمك الأحمر «الروجي» والجمبري قد اختفت بفعل النهب العشوائي للثروة المرجانية.

إعداد: سناء الماجري